سورة طه - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


صرفنا: كررنا وفصلنا. ذكرا: عظمة وعبرة. لا تضحى: لا تبرز للشمس، ولا تتعب. طفقا يخصفان: شرعا يلزقان ورق الجنة. غوى: ضل. اجتباه: اصطفاه وقربه.
{وكذلك أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً....}.
وكما انزلنا ما ذُكر من البيان الحق الذي سلف في هذه السورة، كذلك أنزلنا القرآن كلَّه بأسلوب عربي واضح، وصَرَّفنا فيه القول في أساليب الوعيد ليجتنبوا الشِرك والوقوعَ في المعاصي، أو يتذكروه غذا اذنبوا فيتوبوا إلى الله ويسألوه العفو.
{فتعالى الله الملك الحق...}.
تقدّس الله المتصرفُ بالأمر والنهي، المحقُّ في أُلوهيته وعظمته. ولا تَعْجَلْ يا محمد بقراءة القرآن من قبلِ ان يُتمَّ جبريلُ تبليغه اليك. أَنصِتْ حين نزول الوحي بالقرآن عليك، حتى يفرغ المَلَكُ من قراءته، ثم اقرأه بعده.
{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}.
بالقرآنِ ومعانيه وكل شيء. وهذا يدل على فضيلة العلم، فان الله تعالى لم يأمر رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم. ولقد قام الإسلام على العلم والتعلم من بدايته، وبالعلم سيطرت الأمم المسيطِرة في الوقت الحار، ولو أننا اتّبعنا القرآن حق اتباعه لكنّا اليومَ في الذروة من كل شيء.
وسبب نزول هذه الآية ان الرسول الكريم كان إذا لقَّنه جبريلُ الوحي، يتبعه عند تلفظ كل كلمةٍ وكل حرف، لكمالِ اعتنائه بالتلقّي والحفظ، فأرشده الله إلى التأني ريثما يسمعه ويفهمه. ونحوه قوله تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16- 19].
روى الترمذي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمّ انفعني بما علّمتني، وعلّمني ما ينفعني، وزِدني علما، والحمدُ لله على كل حال، واعوذ باللهِ من حالِ أهل النار».
قراءات:
قرأ يعقوب: {من قبل أن نقضي اليك وحيه}. بفتح النون وكسر الضاد ونصب وحيه. والباقون: {من قبل ان يُقضَى اليك وحيُه}، بضم الياء ورفع {وحيه}.
{وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}.
بعد تلك الجولة الطويلة في قصة موسى، والعرضِ الموجز لأحوال القيامة وتذكيرِ الناس بأهوال ذلك اليوم العظيم، ثم ذكرِ القرآن وما فيه من وعيد ومن احكام، والأمر للرسول ان لا يعجل في تلقّيه خوف ان ينسى- يأتي الحديث هنا عن قصة آدم. فقد نسيَ آدمُ ما عهِد الله به اليه، وضَعُفَ أمام الإغراء بالخلود فاستمع لوسوسةِ الشيطان. وكان هذا ابتلاءً من ربّه قبل ان يعهد اليه بخلافة الأرض. ثم تداركت رحمةُ الله آدم فاجتباه وهداه.
ولقد وصينا آدم وقلنا له أن لا يخالف لنا أمرا، فنسي العهدَ وخالف، ولم نجدْ له ثباتا في الرأي، ولا تصميماً قوياً يمنع من أن يتسلل الشيطان إلى نفسه بوسوسته.
وكل هذا العرض بإجمال لأنه فصِّل في سورة البقرة والأعراف والحِجر والإسراء والكهف.
ثم بين الله تعالى ما عهد اليه به وكيفية نسيانه وفقدان عزمه فقال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى....}.
اذكر ايها الرسول حين امرنا الملائكةَ ان يسجدوا لآدم سجودَ تعظيم، فامتثلوا ولبّوا الأمر، إلا ابليس الذي امتنع وأبى ان يكون من الساجدين.
فقلنا يا آدم ان هذا الذي رأيتَ منه ما رأيت عدوٌّ لك ولزوجتك، فاحذرا وسوستَه فلا يكونن سبباً إلخراجكما من الجنة فتشقى يا آدم بعد الخروج. إن في هذه الجنة عيشا هينئاً رغداً بلا كلفة ولا مشقة، فلا جوع فيها ولا عُري، ولا ظمأ ولا حر شمس.
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان....}.
بعد أن بين الله أنه عظّم آدم وعرّلإه شدة عداوة ابليس، ذكر هنا أن آدم أطاعَ إبليس، وأكلض من الشجرة المحرّمة عليه، لأن إبليسَ جاءه وقال له: هل أدلّك على شجرةٍ إن اكلتَ منها خلّدت ولم تمتْ أبدا!؟ فنسي آدم العهد وأكل هو وزوجته، وخالفا أمر ربهما، فظهرت لهما عوراتُهما جزاء مخالفتهما الأوامر الربانية، وصارا يقطعان من ورقِ شجر الجنّة، ويستران بها ما بدا منهما.
{وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى}.
خالف آدم أمر ربه، فحُرِم الخلد، وأفسد على نفسه تلك الحياة الهنيئة التي كان يعيشها.
{ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهدى}.
ثم ادركتْ آدمَ وزوجتَه رحمةُ الله بعد ما عصاه، فاصطفاه للرسالة، وقبل توبته، وهداه إلى الخير.
قراءات:
قرأ نافع وأبو بكر: {وإنك لا تظمأ فيها} بكسر ان. والباقون: {وأنك} بفتح الهمزة.


معيشة ضنكا: معيشة ضيقٍ شديد. أعمى: أعمى البصيرة: فنسيتَها: فتركتها. وكذلك اليوم تُنسى: تترك. لأولي النهى: لذوي العقول. لزاماً: لازما لهم.
أمر الله آدم وزوجته ان يخرجا من الجنة، فقال لهما انزِلا منها إلى الأرض، وأخبرَهَما بان العداوة ستكون بين ذريتهما، وان الله تعالى سيمدّهم بالهدى، فمن استقام واتبع الهدى منهم فإنه لا يضِلّ في هذه الحياة، ولا يشقى بالعذاب.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ان قال: «من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة في الدنيا، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة» ومن أعرضَ عن هدى الله وطاعته، فإن له معيشةً ضيقة شديدة {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} أي أعمى البصيرة عاجزاً عن الحُجّة التي عيتذر بهان فيسأل ربَّه في هذا الموقف الحرج: {قَالَ رَبِّ لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً}.
فيقول: يا ربّ، لِمَ حشرتَني أعمى عن حجتي وعن رؤية الاشياء على حقيقتها وقد متُ في الدنيا ذا بصرٍ بذلك؟.
فيجيبه ربه بقوله: {... كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى}.
لقد جاءتك آياتنا ورسُلنا في الدنيا فنسيتها، وتعاميتَ عنها، وكذلك اليوم تُترك وتنسى.
وهكذا نعاقِب في الدنيا من أسرفَ فعصى ربه ولم يؤمن به وبرسُله، وان عذاب الآخرة في النار أشدّ أَلما، واكثر بقاء، لأنه لا نهاية له.
{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النهى}.
افلم يرشدْهم إلى وجهِ العِبرَ، إهلاكُنا لكثيرٍ من الأمم الماضية قبلهم بسبب كفرهم، ولم يتّعظوا بهم مع أنهم يمشُون في ديارِهم ومساكنهم، ويشهدون آثار ما حلّ بهم من العذاب! ان ما يشاهدون، ويرون من آثار ما حلّ بهم لدلائلَ وعبراً واضحة لأصحاب العقول الراجحة.
ولولا حكمٌ سبقَ من ربك بتأخير العذاب عنهم إلى أجلٍ مسمّى هو يوم القيامة، لكان العذابُ لازماً لهم في الدنيا، كما حل بأصحاب القرون الماضية. وتقدير الكلام: ولوا كلمة واجلٌ مسمى لكان العذابُ لِزَاماً.


آناء الليل: ساعاته. مفردها إنْيٌ، وإنو، بكسر الهمزة وسكون النون. وأنى بفتح الهمزة والنون مقصورةً مثل على. وإنَى بكسر الهمزة وفتح النون مثل إلى. لا تمدّن عينك: لا تنظر إلى ما عند هؤلاء. متعنا: اعطيناهم ما يتلذذون به. ازواجا: اشكالا واشباها. زهرة الحياة الدنيا: زينتها وبهجتها. لنفتنهم: لنختبرهم ونبتليهم.
فاصبر أيها الرسول على ما يقولون من كفرٍ واستهزاء، واتّجه إلى ربك وسبذِح بحمده قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، ونزهْه واعبدْه في ساعات الليل، وفي أطراف النهار. {لَعَلَّكَ ترضى} فتطمئنَّ إلى ما أنتَ عليه.
ولما صبَّر رسوله الكريم على ما يقولون وأمَرَه بالعبادة والتسبيح، أتبع ذلك بنهْيهِ عن مدِّ عينيه إلى ما مُتِّعوا به من زينة الدنيا فقال: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ...}.
ولا تتعدّ بنظرك إلى ما متعنا به أصنافاً من الكفار، لأن هذا المتاع زينةُ الحياة الدنيا وزخرفها، يمتحن الله به عباده في الدنيا. {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى} يدّخره لك الله في الآخرة، وهو رزق نعمةٍ لا للفتنة، رزقٌ طيب باق، وهو خير من هذا المتاع الزائل.
عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كانت الدنيا همَّه، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأتِه من الدنيا الا ما كتبَ له».
وهذه التَّنبيهات ليست دعوةً للزهد في طيبات الحياة، ولكنها دعوة إلى الاعتزاز بالقِيم الأصيلة الباقية، وبالصِلة بالله والرضى به.
قراءات:
قرأ أبو بكر والكسائي:{لعلك تُرضى}بضم التاء. والباقون: {لعلك ترضى} بفتح التاء.
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقبة للتقوى}.
دوامْ على الصلاة ووجِّهْ أهلك أن يؤدوها في اوقاتها، فان أول واجبات المسلم أن يحوِّل بيته إلى بيتٍ مسلم. ونحن لا نكلّفك مالا، بل عملاً نؤتيك عليه أجراً عظيما. إننا نعطيك الرزق، والعاقبةُ الصالحة لأهل الخسية والتقوى، والإنسان هو الرابح بالعبادة في دنياه وأخراه.
قراءات:
قرأ يعقوب: {زَهَرة الحياة}. بفتح الزاء والهاء وهي لغة. والباقون: {زهرة} بسكون الهاء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6